تعاني ملايين السيدات قبل أو أثناء أو بعد المعاشرة الزوجية وتسمى هذه الحالة «الاتصال الجنسي المؤلم» (dyspareunia). ولا تعوق هذه الحالة الاستمتاع بالمعاشرة الزوجية فحسب، بل يمكن أيضا أن تؤثر سلبا على العلاقة الزوجية والحياة بوجه عام. ربما تثير هذه الحالة لدى السيدات اللاتي بلغن سن اليأس القلق من التقدم في العمر وتؤثر سلبا على نظرتهن إلى أجسادهن. وتعاني الكثير من السيدات في صمت ولا يطلبن المساعدة أو أنهن يجدن مشكلة في العثور على طبيب يستطيع تشخيص وعلاج أسباب الألم. يدعو هذا للأسف نظرا لتوافر علاج الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى هذه الحالة.
يمكن أن يحدث عسر الجماع أو الاتصال الجنسي المؤلم في أي عمر، لكنه شائع بين السيدات اللاتي وصلن إلى سن اليأس. وتشير الدراسات إلى أن ما بين ربع ونصف السيدات اللاتي بلغن سن اليأس يعانين من ألم أثناء المعاشرة الزوجية. وقد يكون هذا الألم بسيطا أو حادا، وتشبهه نساء يعانين منه بالحرقة أو النغز أو الحدة أو النعومة المفرطة. قد يحدث الألم في الفرج أو داخل المهبل أو في الحوض، ويعتمد هذا على السبب. وتشعر سيدات كثيرات بعدم راحة في منطقة دهليز المهبل المليئة بالأعصاب، التي تحيط بفتحة المهبل. ويمكن أن يبدأ هذا الألم فجأة أو يتطور تدريجيا مع الوقت، حيث قد يحدث في كل مرة أو بين الحين والآخر، بل يمكن أن تشعر السيدة بالألم بمجرد التفكير في المعاشرة الزوجية.
أسباب المرض من الأسباب المحتملة؛ حدوث تغيرات هرمونية، أو اضطرابات في الأعصاب، أو مشكلات عاطفية، أو القلق، أو الاكتئاب.. وأحيانا تكون تلك الأسباب مجتمعة وراء الحالة. وتقول إليزابيث ستيوارت، أخصائية منطقة المهبل الخارجية والداخلية في اتحاد هارفارد الطبي في برلينغتون بولاية ماساتشوستس ومركز الشماسة الطبي في بوسطن: «يمكن أن يؤدي عامل واحد إلى سلسلة من المشكلات».
ويعد ضمور المهبل، أي تدهور الأنسجة المهبلية الناتج عن نقص هرمون الأستروجين، من الأسباب الرئيسية لحدوث ألم أثناء المعاشرة لدى النساء في منتصف العمر، فعندما ينقص إفراز هرمون الأستروجين بعد انقطاع الطمث، تضمر أنسجة المهبل وتصبح أقل رطوبة ومرونة. في النهاية يمكن أن تؤدي هذه التغيرات إلى جفاف مهبلي وشعور بالحرقان والحكة والألم.. كذلك يمكن أن يؤدي نقص الممارسة الجنسية أو عقاقير مثل مضادات الهيستامين إلى جفاف المهبل.
من المسببات الأخرى التهاب الأعضاء الأنثوية (vestibulodynia)، وهو متلازمة مزمنة من الألم تؤثر على الأعضاء التناسلية الأنثوية، في تك الحالة يمكن أن يؤدي الضغط على هذه المنطقة أو مجرد لمسها، بل ارتداء سروال جينز ضيق أو استخدام ماسحة قطنية، إلى شعور بعدم الراحة.
ويبدو أن لهذه الحالة الكثير من الأسباب. ويعد مرض التهاب الأعضاء الأنثوية من الأسباب الأكثر شيوعا لألم الجماع لدى السيدات اللاتي تقل أعمارهن عن 50 عاما، لكنه أكثر شيوعا بين النساء اللاتي بلغن سن اليأس، بحسب دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة ماكغيل في مونتريال. وحلل الباحثون بيانات 182 سيدة في سن اليأس ويعانين من ألم الجماع، وتم اكتشاف أن نحو 98 في المائة يشعرن بألم عند لمس دهليز المهبل بماسحة قطنية أثناء الفحص، بينما تم اكتشاف وجود التهاب في الأعضاء الأنثوية وضمور في المهبل (vaginal atrophy) لدى 64 في المائة من السيدات، وإصابة 14 في المائة منهن بالتهاب الأعضاء التناسلية الأنثوية فقط، في مقابل إصابة 9 في المائة منهن بضمور فقط. ونشرت هذه النتائج في دورية «العلاج الجنسي الزوجي» في عدد مارس (آذار) – أبريل (نيسان) 2012.
من الأسباب الأخرى للألم أثناء الجماع الإصابة بأمراض جلدية في الأعضاء التناسلية مثل الإكزيما (eczema) والصدفية (psoriasis) أو التهاب الحوض (pelvic inflammatory) أو تدلي المثانة (bladder prolapse) أو التهاب المسالك البولية أو المهبل أو الأعضاء التناسلية أو تناول بعض أنواع عقاقير السرطان أو الإصابة بجروح في منطقة الحوض بسبب الولادة أو نتيجة جراحات تناسلية أو تلف العصب الفرجي الذي يغذي منطقة المهبل أو حدوث اضطرابات في الجهاز الحركي مثل التهاب المفاصل (arthritis) أو تشنج الفخذ (tight hip) أو عضلات الحوض وبعض أنواع الخلل الجنسي لدى الذكور.
كذلك من الممكن أن يؤدي طول فترة الجماع إلى تفاقم الشعور بالألم والاحتكاك. هناك أيضا عوامل نفسية أو عاطفية، فالتوتر أو القلق أو الاكتئاب أو الشعور بالذنب أو التعرض لانتهاكات جنسية أو فحص سيئ لمنطقة الحوض في الماضي أو مشكلات في العلاقة أثناء الممارسة الجنسية.. تكون من الأسباب العميقة لحدوث ذلك الألم. يحدث لدى بعض السيدات تيبس لا إرادي في عضلات المهبل (Vaginismus) لمقاومة الاتصال. وتنتشر هذه الحالة بين السيدات اللاتي ترتبط منطقة المهبل لديهن بالخوف أو الصدمة. وتقول إليزابيث: «إذا مررت بتجربة قاسية مؤلمة مثل عمل شق جراحي لتوسيع مخرج الولادة، فلن تنساها العضلات المبطنة للحوض على ما يبدو، وبالتالي ستقاوم أي اقتحام لها».
التشخيص
* يتخصص بعض الأطباء في أمراض الفرج، وتقدم بعض كليات الطب تدريبا في هذا المجال، لكن يمكن أن ينصحك مسؤول الرعاية الصحية الأولية أو طبيب أمراض النساء بزيارة أخصائي لديه الخبرة في علاج عسر الجماع. كذلك من الممكن البحث على شبكة الإنترنت أو التواصل مع قسم أمراض النساء في أقرب مركز طبي أو مستشفى تعليمي. وسيسأل الطبيب عن الألم ومتى بدأ وشكله وعما تم فعله لتخفيفه وقد يطرح بعض الأسئلة الخاصة بعلاقتك بشريكك. وسيسأل أيضا عن أي معلومات تتعلق بهذه المنطقة مثل الجراحات أو الولادة أو أي اضطرابات صحية أخرى.
عادة ما يتضمن الأمر سعيا لمعرفة تاريخ طبي وفحص للحوض وإجراءات أو فحوص طبية. وسيفحص الطبيب الفرج والمهبل ومنطقة المستقيم ليرى ما إذا كان بها التهاب أو جروح أو جفاف أو نجيج مهبلي (discharge) أو قرحة أو نتوءات أو مؤشرات أخرى تساعد على تشخيص المرض. وسيستخدم الطبيب على الأرجح ماسحة قطنية لمعرفة ما إذا كان هناك حساسية من اللمس والمنظار المهبلي والأصابع. من الطبيعي أن تشعر السيدات اللاتي يعانين من ألم خلال المعاشرة الزوجية بالقلق من هذا الفحص. في هذه الحالة ينصح بالإعراب عن تلك المخاوف قبل أن يبدأ الفحص.
الاستمتاع بالمعاشرة
* هناك بعض الطرق للسيطرة على عدم الشعور بالألم في منطقة الفرج وزيادة الاستمتاع بالمعاشرة:
* المزيتات: ربما تساعد المزيتات المهبلية غير الهرمونية على الحد من الاحتكاك والألم الذي يحدث خلال المعاشرة. ويتم وضع هذه المزيتات قبل المعاشرة مباشرة، بينما يتم استخدام المرطبات بانتظام للشعور بالراحة على المدى الطويل. هناك الكثير من الأسماء التجارية التي تحتوي على مكونات مختلفة، وقد تستغرق المنتجات التي تناسبك وقتا لتحدث تأثيرا ملموسا.
ويعد الزيت النباتي خيارا غير مكلف، لكن يمكن أن تضعف المزيتات المادة التي تدخل في تصنيع الواقي الذكري لذا لا ينبغي استخدامه معه.
* طرق جنسية: يمكن زيادة فترة المداعبة التي تسبق المعاشرة لزيادة الرطوبة في أنسجة المهبل، ويمكن تجربة تغيير الأوضاع وطرق تساعد على الشعور بالمزيد من الحميمية. تواصل مع الشريك وعبر عما لا يريحك.
* المداومة: يمكن أن تساعد المداومة على المعاشرة الزوجية في تمدد وتقوية العضلات وزيادة تدفق الدم والرطوبة، لكن إذا كان هناك ألم ينتج عن المعاشرة، فيمكن ممارسة الإثارات الجنسية أو طرق جنسية أخرى لا تتطلب الاتصال الكامل.
* العناية بالفرج: يمكن غسله بالماء والصابون أو الماء فقط وتجفيفه جيدا. لا ينصح باستخدام العطور أو المنتجات التي يدخل فيها الكثير من المكونات مثل سوائل الرغوة وجهاز تنظيف المهبل وبعض الفوط الصحية. ويمكن ارتداء ملابس فضفاضة وملابس داخلية قطنية. وينصح بشطف المنطقة بالماء الفاتر بعد التبول.
العلاج
* عادة ما يتطلب العلاج أسلوبا متعدد الوجوه يشمل أشكالا من العلاج الطبي، فضلا عن أنواع أخرى من العلاج، إلى جانب العناية الذاتية. وفي حالة ما إذا شخص طبيبك المعالج حالتك على أنك تعانين من أي نوع من العدوى المهبلية أو الأمراض الجلدية أو غيرها من الحالات المرضية الأخرى التي يمكن علاجها، فسيصف لك المضادات الحيوية المناسبة أو الهرمونات الستيرويدية للقشرة الكظرية أو خلاف ذلك من أنواع العلاج الأخرى. وتضم أنواع العلاج التي توصف بشكل متكرر لعلاج عسر الجماع ما يلي:
* الأستروجين المهبلي (Vaginal estrogen): تساعد الجرعات المنخفضة من الأستروجين غالبية السيدات اللاتي يعانين من ضمور في المهبل، كما يوصى بها أيضا في بعض حالات التهاب الأعضاء الأنثوية والتهابات الفرج.. ويأتي في صورة كريم (يدهن به الفرج أو المهبل)، وقرص صغير يوضع داخل المهبل «فاغيفيم» (Vagifem)، وحلقة مهبلية مرنة يتم ارتداؤها بشكل مستمر وتستبدل كل 3 أشهر «إسترينغ» (Estring).
ولعلاج الضمور في المهبل، يفضل الأستروجين المهبلي عن العلاج الهرموني النظامي، الذي يعطى كحبوب، وغير ذلك من الأشكال الأخرى، مع أو من دون دواء البروجستين. لقد تم ربط العلاج الهرموني النظامي بانخفاض خطر إصابة السيدات الأكبر سنا بالأزمات القلبية، فضلا عن انخفاض احتمالات الإصابة بالسكتة الدماغية وجلطات الدم وبعض أنواع مرض السرطان.
يؤدي العلاج بالأستروجين المهبلي إلى إفراز نسبة قليلة من الأستروجين في مجرى الدم، ومن ثم يقل معه خطر حدوث أعراض جانبية عن الأستروجين النظامي، لكن عليك بمناقشة مزايا وعيوب العلاج بالأستروجين المهبلي مع طبيبك المعالج، وبخاصة إذا كان لك تاريخ مع سرطان الثدي، نظرا لأن إمكانية استخدامه بشكل آمن غير مؤكدة.
* الليدوكاين (Lidocaine). قد يساعد هذا المخدر في علاج مشكلة الشعور بعدم الارتياح أثناء المعاشرة عند استخدامه كمرهم يدهن به دهليز المهبل قبل وبعد المعاشرة. (وفي حالة استخدامه قبل المعاشرة، قد يؤثر على الرجل).
* الجراحة: ربما تفكر السيدات اللاتي يعانين من التهاب مزمن وحاد في الأعضاء الأنثوية، في جراحة تعرف باسم جراحة «استئصال دهليز الفرج» (Vulvar Vestibulectomy)، وهي جراحة لإزالة نسيج الدهليز. وعادة لا تجرى مثل هذه الجراحات إلا في حالة فشل الأساليب العلاجية الأخرى.
* الاستشارة: ربما تسهم مشكلات عاطفية ونفسية، بدءا من ضعف التواصل في العلاقة، في حدوث مشكلة الشعور بالألم أثناء المعاشرة، وتحدث هذه المشكلة بدورها ضغطا على العلاقة. قد يساعد التحدث إلى استشاري متخصص أو أخصائي في علاج المشكلات الجنسية.
تشريح الفرج
* يتكون الفرج من عدة طبقات تغطي وتحمي الأعضاء الجنسية وفتحة التبول. وتشتمل الشفرات الخارجية للفرج – الشفران الكبيران (Labia majora) – على مواد دهنية تساعد في حماية المنطقة. وبداخل الشفرين الكبيرين، توجد أغشية جلدية أرق تعرف باسم الشفرين الصغيرين (Labia Minora)، اللذين يتصلان بالأعلى لتغليف البظر. وتشتمل المنطقة ما بين الشفرين الصغيرين ودهليز المهبل على فتحتي مجرى البول والمهبل.
* العلاج البدني لمنطقة الحوض Pelvic floor physical therapy)): يعتبر العلاج البدني لمنطقة الحوض نوعا جديدا نسبيا من أنواع العلاج، ولا يتوفر حتى الآن كم كبير من البيانات عنه، غير أن الخبراء يرون أنه علاج آمن وفعال. كثير من السيدات اللاتي يعانين من آلام الفرج تكون عضلات منطقة المهبل أو الحوض لديهن متشنجة أو ضعيفة. ويمكن أن تضعف تلك العضلات نتيجة تقدم العمر أو الولادة أو الوزن الزائد أو التغيرات الهرمونية أو أنواع معينة من التيبسات العضلية. ويمكن أيضا أن يحدث لها تيبس بسبب ألم في الأعضاء التناسلية. وقد يساعد العلاج البدني في تقليل التيبس وتحسين وظيفة العضلات.
سوف يستخدم طبيبك المعالج أساليب عملية مثل التدليك والضغط الخفيف لإرخاء الأنسجة ومدها وتحفيز تدفق الدم، بما في ذلك الجزء الداخلي من المهبل. سوف تتعلمين أيضا تمارين لمساعدتك في تقوية عضلات منطقة الحوض وتخفيف تيبس مفاصل الوركين. وربما تستخدم آلية التغذية الحيوية المرتجعة في مراقبة تقدم حالتك على شاشة كومبيوتر متصلة بجهاز استشعار صغير يوضع داخل مهبلك. وقد يستغرق العلاج عددا من الجلسات يتراوح ما بين 8 إلى 12 جلسة قبل ظهور النتائج.
«يجدي العلاج البدني لمنطقة الحوض نفعا، ولكنه ليس بالعصا السحرية؛ إذ يتعين على المريضة القيام بواجب منزلي أثناء وبعد العلاج»، يقول راكيل بيرليس من وليسلي في ولاية ماساتشوستس، وهو معالج بدني معتمد متخصص في علاج الخلل الوظيفي في عضلات الحوض وعسر الجماع. قد يضم الواجب المنزلي التدليك الذاتي وإرخاء عضلات الوركين واستخدام موسعات المهبل لتحقيق قدر أكبر من الشعور بالراحة أثناء المعاشرة.